كيفية التعامل مع الطفل المصاب بالتوحد داخل الفصل الدراسي: مقاربة إنسانية وتربوية

نصائح واستراتيجيات للمربين تشمل الفهم، التحضير النفسي، تصميم البيئة، وطرق التدريس الداعمة.

كيفية التعامل مع الطفل المصاب بالتوحد داخل الفصل الدراسي: مقاربة إنسانية وتربوية

يعد التوحد من الاضطرابات النمائية العصبية التي تؤثر على قدرة الطفل على التواصل والتفاعل الاجتماعي، و مع تزايد الوعي حول حقوق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أصبح إدماج الطفل المصاب به ضرورة تعليمية واجتماعية.

فهم التوحد: أساس التعامل الناجح

لكي ينجح المدرس في التعامل مع الطفل التوحدي، يجب أولًا أن يمتلك فهمًا جيدًا لطبيعة هذا الاضطراب. فالتوحد ليس مرضًا يمكن الشفاء منه بسرعة، بل هو اختلاف في طريقة الإدراك والاستجابة للمثيرات المحيطة. فقد يكون الطفل حساسًا للضوء أو الصوت، أو يجد صعوبة في تفسير تعبيرات الوجه أو نبرة الصوت، أو يفضل الروتين وثبات الوضعيات دون تغيير.

الاستعداد النفسي والتربوي للأستاذ

التعامل مع الطفل التوحدي يحتاج من المدرس استعدادًا نفسيًا واحترافيًا. فمن الضروري أن يدرك أن التحديات التي سيواجهها ليست فقط فنية أو معرفية، بل كونها إنسانية بالدرجة الأولى. ففي بعض الأحيان قد يشعر المدرس بالإحباط أمام عدم استجابة الطفل أو سلوكه الغريب عن المألوف، مما يحتم عليه إعطاء الأهمية للتقدمات الصغيرة كإنجازات مهمة،الشئ الذي يعطي له دفعة أكبر في الاستمرار.

المدرس يحتاج كذلك إلى تلقي تكوين مستمر حول استراتيجيات التدريس الخاصة، وأهمية التعاون مع الأهل والأخصائيين، لبناء شبكة دعم متكاملة حول الطفل.

تصميم بيئة صفية داعمة

بيئة الفصل تلعب دورًا محوريًا في تسهيل التعلم للطفل التوحدي. فالأطفال المصابون بالتوحد غالبًا ما يشعرون بالارتباك من التغييرات المفاجئة أو الفوضى البصرية والصوتية. لذلك، يُنصح بتنظيم الفصل بطريقة مدروسة، مع تقليل المثيرات غير الضرورية.

من المفيد توفير مساحة هادئة داخل الفصل يستطيع الطفل اللجوء إليها في حال شعوره بالتوتر، إلى جانب استخدام وسائل بصرية مثل جداول يومية مبسطة وأدوات تعليمية ملونة تساعده على الفهم. كما أنه

طرق تعليمية وتربوية مناسبة

التواصل والتفاعل الاجتماعي

يُعد تعزيز مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي من أهم الأهداف في تعليم الأطفال التوحديين. يتطلب ذلك من المدرس خلق أنشطة للتفاعل الإيجابي، مثل الألعاب الجماعية أو الأنشطة التي تعتمد على التعاون.

من الضروري أيضًا تعليم الأطفال الآخرين في الفصل كيفية فهم التوحد والتعامل مع زميلهم بتسامح واحترام، مما يبني بيئة شاملة وآمنة نفسيًا للجميع.

التعاون بين المدرسة والأسرة والاختصاصيين

العمل مع الطفل التوحدي لا يقتصر على الفصل فقط، بل يحتاج تنسيقًا مستمرًا بين المدرسة والأسرة والأخصائيين النفسيين والتربويين.وذلك من خلال تبادل المعلومات حول تقدم حالة الطفل، الصعوبات التي يواجهها، والاستراتيجيات التي تم تتبعها و قد أتبتت فعاليتها.

التكوين المستمر للمدرسين

في ظل التطور المستمر في ميدان علوم التربية وعلم النفس، أصبح من الضروري أن يتلقى المدرسون تكوينًا متخصصًا حول كيفية التعامل مع التوحد داخل البيئة المدرسية. تعتبر كل حالة توحد فريدة من نوعها، والتقنيات التي تنجح مع طفل معين قد لا تكون فعالة مع آخر. كما أن التكوين لا يجب أن يقتصر فقط على الجوانب النظرية، بل يشمل تدريبًا عمليًا ميدانيًا على استراتيجيات تعديل السلوك

كما ينبغي أن يتمتع المدرس بمهارات في الذكاء العاطفي، لأنه سيكون مطالبًا بقراءة مشاعر الطفل، هذا الطفل الذي قد لا يستطيع التعبير عنها بشكل مباشر. هذه المهارات التي قد تجعل من المدرس شخصًا قادرًا على بناء علاقة ثقة مع الطفل.

التقويم والتقييم

يجب أن يتسم التقويم بالمرونة والتكيف مع احتياجات الطفل. حيث أنه لا يُتوقع من الطفل التوحدي تحقيق نفس المعايير الزمنية أو نفس مستوى التركيز مثل باقي زملائه. لذلك، يُفضل اعتماد تقويم تكويني مستمر، يركز على تقدم الطفل في مهارات محددة.

أرقام ودلالات

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. تشير الإحصائيات العالمية الحديثة إلى أن التوحد يصيب حوالي طفل واحد من كل 100 على مستوى العالم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تفيد بيانات "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها " معدل انتشار بلغ طفلًا واحدًا من كل 31 طفلًا في سن الثامنة، مع تسجيل نسب إصابة لدى الذكور تفوق الإناث بثلاثة إلى أربعة أضعاف.

أما في الدول العربية، ورغم محدودية الدراسات ، تشير أبحاث إقليمية إلى أن دولة قطر مثلا تسجّل أعلى معدلات الاصابة، بما يقارب 15.12 حالة لكل 10,000 طفل، تليها كل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية بنسب تتراوح بين 10 و11 حالة لكل 10,000. وفي إفريقيا، أشارت دراسة أجريت في إثيوبيا إلى معدل إصابة بلغ 0.9% بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و9 سنوات. أما في أوروبا وكندا، فتتراوح نسب الإصابة بين 0.9% و1% من إجمالي عدد الأطفال، ما يعكس تفاوتًا قد يرتبط بمدى تطور أنظمة الرعاية الصحية والتشخيص المبكر.

كما تشير تقديرات نُشرت عام 2021 إلى أن عدد الأشخاص المصابين بالتوحد على مستوى العالم بلغ حوالي 61.8 مليون نسمة، أي ما يعادل فردًا واحدًا من كل 127 شخصًا. وتبرز هذه الأرقام الحاجة الملحة إلى تعزيز السياسات التعليمية والإدماجية، وتوفير بيئات مدرسية مجهزة وكوادر تربوية مكوّنة، لضمان التكفل الشامل بحقوق الأطفال المصابين بالتوحد في التعلم والتربية داخل المجتمع المدرسي.

خاتمة

العمل مع الطفل المصاب بالتوحد داخل الفصل الدراسي يتطلب مزيجًا من المعرفة العلمية، الصبر، والجانب الإنساني العميق. حين يفهم المدرس طبيعة الطفل ويتكيف مع حاجاته، يتحول التحدي إلى فرصة لنمو الجميع: الطفل، المدرس، وزملاء الفصل.

إن إدماج الطفل التوحدي ليس فقط حقًا من حقوقه، بل هو تجربة إنسانية وتربوية تفتح آفاقًا جديدة لفهم التنوع والاختلاف، وتعزز قيم التسامح والاحترام داخل المجتمع المدرسي.

صورة    محمد أمين سعدي

محمد أمين سعدي

مؤلف و باحث تربوي